مذكرات لمفوما هودجكن


 بدأت الحكاية بديسمبر 2022، زكام  وسعال ليلي متواصل، لأنهض بكل صباح أعود للعمل وأنا متعب من نسق السعال وضيق التنفس فهمت حينها أن هناك امر غير طبيعي خاصة وأني كنت أعاني حكة متواصلة من نوفمبر دون سبب، بدأت بالبحث عن الأسباب وأطالع خاصة وأني شخص رياضي لم يغفل عن الإهتمام بجسده ولم يزرني المرض منذ سنوات، وقفت ذات يوم مخاطبا امي أني أشك بأني مريض بالسرطان فضحكت وتمتمت ومر الأمر مرور الكرام لأخاطب صديقي المقرب بنفس الكلمات وكلهم يعرفون أني شخص عقلاني يعرف ما يقول ولكن دائما لا يتمنى لك أحبابك المرض .... قمت ببعض التحاليل وكانت سليمة تركت الأمر مرت الأيام وكان كل يوم يؤكد لي أنه سرطان لتزداد شكوكي، يوم 12 مارس كنت بالمقهى نالت بعوضة من رقبتي وكانت سببا لأمسك بيدي كتلة صغيرة على الجهة اليسرى، ذهبت باليوم التالي لمعاينته وكنت على يقين داخلي بانه سرطان غدد لمفاوية فلدي 3 أشهر أبحث وأطالع لأعرف سر ضيق تنفس شاب رياضي لم يدخن يوما بحياته فضيقة الصدر كانت بدايتها من نوفمبر 2022 ......  أعرف أن سنة 2022 كانت قاسية وكنت أقسى وأقوى تحملت مسؤوليات كثيرة ولم أعطي نفسي الحق لأن أضعف فأنا السند لعائلتي ومحيطي وليس من حقي أن أظهر بشكل المنهزم بل من واجبي أن أكون الجبل الصامد والسور الذي لا يتزعزع ولا يتفكك لحماية أحبتي، ربما للكتمان والتظاهر المفرط للقوة ثمنه وكتبت ذات يوم "تأكد انك ستدفع مع الأيام ثمن صمودك المفرط وعزة نفسك المعانقة للسماء وثمن كل ساعة كنت فيها شديد الشكيمة والحزم وستكون فخورا مهما كان الثمن باهضا مادمت للضعف والمهانة خصما.." قمت بأخذ عينة يوم 20 مارس 2023 وبينما كنت أعمل يوم 22 مارس بمنتصف النهار وصلني الخبر بأنه سرطان سألت هودجكن أو لا هودجكن أجابتني هودجكن لأعيد هاتفي لجيبي وأكمل العمل لا أدري من أين نزلت علي تلك الراحة الغريبة وكأني شخص كان يبحث عن موضع الخلل بجسده أو موضع السرطان ووجده بكل عقلانية ودون عواطف زائفة... أكملت ساعات العمل يوم قبل بداية شهر رمضان، سكينة من السماء غمرت فؤادي كان لجانبي زوج أختي وصديقي سألني عن نتيجة التحاليل فأجبت "سرطان" وعدنا للعمل لحد رجوعنا للمنزل كان يفكر بأني أمزح نظرا لردة فعلي .... بتلك اللحظة بدأت قوة المواجهة والتمرد المألوف مني تجاه نفسي فأنا شخص ليس لديه ما يخسر، شخص بدأ من تحت انقاض العدم ليعانق نور الوجود ووللأقارب والأصدقاء شهادة للتاريخ .... يوم 23 مارس كان أول أيام رمضان ذهبت للعمل وفي طريقي توقفت لأكثر من مرة.. سألت نفسي ماذا تفعل يا عمر؟ هناك صوت داخلي يصرخ عد إلى المنزل فقد أصابك ذلك المرض اللعين ... بكيت قهرا نزلت دموعي لأكتشف أني نسيت معنى البكاء منذ سنوات ... توجعت من أعماق قلبي وكأن سيوف الحرب تمزق أعماقي .... واصلت طريقي وأكملت يوم العمل لآخره، قلتها وأعيدها أنا شخص لا يتقن التمثيل بل يتقن القوة وفنون المواجهة والتغلب على الوجع، الخط الفاصل بين القوة والضعف هو التغلب على الأوجاع والوقوف بكل شموخ ورؤية كلها أمل وتفاؤل فالقوي يضعف ويبكي ويشعر بالإحباط ولكنه يتغلب على هذه المشاعر ولا يستسلم لها بأول أيام شهر أغسطس تحديدا  اليوم السادس حلقت لحيتي وشعري نظرا لبداية تساقطهما فأنا متعود على قطع الاشجار قبل سقوطها وخرجت بكل شموخ بدأ بعض الأحبة في السؤال ليسألني بعضهم عن حب وفضول لا يعلمون اني بشهر أغسطس هذا وعند بداية حلق شعري كنت قد وصلت للحصة عدد 8 من الكيميائي فالحكاية بدأت من شهر ماي وقبلها من مارس وقبل الحلاقة لم يخطر لبال أحدهم اني مصاب بالسرطان فكنت امارس حياتي بصفة عادية وحتى هذه اللحظة لم يشك أحدهم بذلك قبل أن يخذلني شعري 3 ايام قبل عيد ميلادي فمريض السرطان بمخيلتهم حزين مكتئب منقطع عن الحياة ولكن لا يفقهون أن مرضى السرطان كتب لهم حياة جديدة مغايرة مع إبتلاء يقربهم من الله هو عذاب بكل ما تعنيه الكلمة بالمعنى وبعد كل جرعة كيميائي وعند إنتهاء المضاعفات اشعر بولادة جديدة مع إختلاف الحالات (اللهم اشفي كل المرضى)  وهذا لا ينكره أحد ولكن نصيحة مني قاوموا بعقولكم هذا اللعين، لا تستسلموا قاوموا حبا في الحياة وفي الأهل والناس المحبة لكم بصدق قاوموا ففي الصمود لذة انزعوا فكرة الموت المقترنة بالمرض من عقولكم وفكروا حقا إنها ولادة جديدة فالموت الحقيقي هو موت الأمل بالنفوس وكم من إنسان يعيش بيننا بصحة جيدة ولكن بقلب يائس وحياة مريرة لغياب الأمل والضحكة على وجهه وقلبه، سأقول جملة ساعدتني يوم كتبتها كثيرا " المستسلم مريض بهذا اللعين والمقاوم مريض فكن الثاني وتمسك بحبل الله وأحسن الظن برب العباد" فكل ما في الكون يدعونا للتأمل والصمود "واذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا" لن أخفي أني يوم 14 و15 أغسطس لم أستطع الوقوف بعد حصتي كيميائي متتاليتين وثالثة مبرمجة يوم 16 أغسطس وسأكون صريحا كما لم أكن من قبل لم أستطع حتى نزع ثيابي وزارني القهر بصدري كما لم يفعل من قبل فأنا الرياضي القوي ..... وكنت أظنها ساعة من ساعاتي الأخير ولكني سرعان ما نزعت الفكرة من عقلي وحدثت نفسي عن صمودها وقوتها ووقتها الذي لم تعشه بعد وتماسكت وصرخت صراخ التمرد لا الوجع صرخت من أعماق قلبي قهرا لجسد كان يحمل عشرات  الكيلوغرامات بقاعة الرياضة لم يقدر على النهوض الآن ... تسلحت بالأمل وكنت أتقيأ بنسق غريب ولكني حولت مسار عقلي وفكرت بأني خرجت للمقهى بالحصص السابقة بعد ساعات من إكمالها رغم الوجع فكرت في الحياة الجميلة التي تنتظرني والدروس التي وجب إستخلاصها بعد هذه الحرب.. تذكرت قوتي وأن أقرب الناس لي من أصدقائي وعائلتي لازالو لم يتفطنوا لمرضي بعد شهور من الكيميائي كنت أعمل بنسق عادي بل طورت عملي لأحقق نجاحات باهرة وكنت قلت سابقا أن عدم بوحي بالمرض هو بروتوكول علاجي بالنسبة لي لنفس ترفض نظرة الشفقة وفي عدم تفطن الناس والأقارب قوة داخلية تزيدني صمودا وفخرا وتشعرني بأني خارق لتعزز ثقتي بنفسي فلا شيء يوحي بمرضي لشهور وشهور، قاومت ولازلت أقاوم وبإذن الله لن أستسلم فأنا منتصر بكل الحالات مادمت صامدا   فهنيئا لي بحياة وقصص عشتها مازالت

 تبعث الفخر بنفسي ليأتي يوم 8 سبتمبربالأخبار الرائعة معلنا شفائي من هذا المرض اللعين 

2 تعليقات

  1. الحمدلله ..أدام الله لك صحتك وعافيتك 🙏اعلم ان ما مررت به ليس سهلا أثبت قوتك ورباطة جأشك. حماك الله

    ردحذف
أحدث أقدم

نموذج الاتصال