جحيم الجنة

  • من كتابي "جحيم الجنة"

عادت السيدة الكريمة إلى غرفتها مباشرة والدموع تتساقط من عينيها وقفت أمام مرآتها لدقائق معدودة تخاطب نفسها ربما عن معاني الحياة، لها وزوجها كل المؤهلات المادية وتفتقد لولد تضعه بحضنها، تداعب أطرافه، تقبل جبهته، طفل يركض بأرجاء المنزل يسقط ويتعثر لينهض من جديد ويوقظ بداخلها أحاسيس ميتة، يبكي طوال الليل يحرمها النوم ويمنحها الحياة بمجرد إبتسامة و لقهقهة الرضيع أثر كبير على القلوب، قهقهة أتحداك إن لم تبتسم بحضرتها أيها الجبل الشامخ الصامد الحجري، تراجعت بعدها خطوات إلى الخلف لتنزل وكل أوجاعها الدفينة على حافة كرسي هزاز، رفعت رأسها مرة أخرى محدقة بمرآتها بعيون يائسة وصرخت بعدها صرخة دون صوت لا دوي لها إلا بذلك العالم الموازي حيث تجتمع أوجاع القهر، حسب تقديري لا يمكن لهذا العالم أن يحتمل كل الناس ليتفهم آلامهم ومشاغلهم، لا بد من عالم آخر تجتمع به الآهات والأصوات القوية الصامتة، لا يمكن لأي شخص أن يفهم مشاعر الآخر هي السذاجة بعينها أن ينتظر الشخص من آخر أن يتفهم أحاسيسه وأوجاعه ويشاركه إياها ولو إمتلك كل كائن شاشة وسط صدره تبث متاعبه الداخلية لهرب الناس من بعضهم البعض من شدة قسوة المشاهد المعروضة أوجاع كانت أو مكائد وبغضاء... قالت السيدة المتألمة بصوت خافت "رحمك الله يا صغيري"، تخيلت الدماء تتساقط من شفتيها إثر نطقها، ماذا كانت ستعرض تلك الشاشة الصغيرة المترجمة لوجعها يا ترى؟ ربما ستعتذر على البث نظرا لكمية البؤس المرافق لحقيقة مشاعرها، الحقيقة قاتلة ومخيفة ما يدفعنا دائما للكذب حتى على أنفسنا لبعض دقائق ولندفن بعض الأسئلة بباطن عقولنا وإن كانت على قيد الحياة، هاهو زوجها يطرق الباب، توجهت نحو الباب لاستقباله ماسحة دموعها مبتسمة، تستقبل زوجها بضحكة تزين ثغرها رغم وجعها، تبادلت وإياه القبل قبل أن يتوجه نحو المطبخ، جلس لطاولة الأكل بينما إنغمست في تحضير بعض الطعام له في صمت تام، تكلم الزوج قائلاً:

_هل أنت بخير؟ 

_انا بخير بعض القلق لا أكثر.

_أعرف ما يشغل بالك... ما رأيك أن نزور مأوى الأيتام؟.

_إشتقت لهم لن أنكر ذلك ولكن ماذا عن عملك؟.

_إنتهيت من كل أعمالي، وقد إشتقت أيضا لضحكة البراءة.

إبتسمت السيدة لا إراديا من أعماق قلبها قائلة:

_لنتناول الفطور ونذهب.

_لا داعي لذلك، سنتقتني بعض الطعام والهدايا ونشارك الأطفال بقية يومهم.

ماذا عن علاقة كهذه أيها الجبل؟ زوج يفهم ما يدور برأس زوجته دون كلام وزوجة لا تريد إزعاج زوجها بعد يوم متعب من العمل، يفكران براحة بعضهما، يفرح لفرحها وتنتعش بحضوره، هنا داخل الجدران الأربعة ومع قليل من الحب وكثير من المودة والرحمة تعلن الجنة فتح أبوابها لكل عاشق، قد يكتفي الإنسان بشخص يفهمه ليعتزل الفضاء الخارجي بكل ما فيه من إثارة وصخب وبهرج خادع، تلك سمات الجحيم البهرج والكذب والخداع على شكل بشر وملابس وخطابات وعقول جوفاء، لماذا لا تجيب أيها الجبل؟ إني أخاطبك...... 


عمر_دربال

جحيم_الجنة

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال