كلمات الصديق المبدع هاني السوداني
مازلت واقفا على شواطئ كتاب " جحيم الجنة " لمؤلفه الكاتب و الصديق المبدع عمر دربال
للوهلة الأولى تصطدم بالأمواج العاتية للعنوان فتخشى الابحار في فسيح كلماته و عميق أفكاره
" جحيم الجنة " ثم تتأمل في معاني اللغة العربية التي لا ساحل لها لتجد نفسك تركب امواج الألفاظ قبل الغوص في عميق دلالاتها و متاهة أوجهها ، كيف لا ؟ و اللغة العربية حمالة أوجه ، فتشترك الألفاظ و تختلف المعاني و قد تختلف الأساليب البلاغية فيطلق اللفظ و المراد غير حقيقته اللغوية .
لأقف فأتمل ثم أقول : قطعا لن يكون المراد جنة الله التي وعد بها عباده المتقين للقرينة الصارفة و هي الجحيم
لعله أراد جحيم الجِنّٓة بكسر الجيم فتكون الجنة بمعنيين
الأول جحيم من أصابه الجنون . فالمجنون فاقد العقل و لا يؤاخذ على ذلك و لكن الجحيم الجنة لمن أفقد نفسه عقله بملك إرادته فأعطله و لم يعمله أو اخطأ استعماله فوقف على ضواهر الكلمات لا معانيها أو تقوقع في أوهام من أوحال الجهل يستقيها فظن نفسه على علم و دراية و هو بجهله لا يدري أو بعد هذا الجحيم جحيم ؟!
و أما المعنى الثاني ، الجِنّٓة بمعنى الجن فلذلك نتعوذ صباحا مساء من الجنة و الناس
فمن تملكته الشياطين من الجنة و الناس أيضا غيبت هي أيضا عقله و سيطرت على نفسه و عقله و أفكاره ، فلا يرى منه خير و لا يسمع منه خير بل و يجتنب مخافة شره
فكانوا كالأنعام بل هم أضل
لعله أراد جحيم الجُنّٓة بضم الجيم أي السترة
لتكون جحيم التخفي و اظهار عكس ما تبطن
جحيم الكذب و النفاق
ألم يقل المولى سبحانه و تعالى في سورة المجادلة ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾
فلا شك أن من خادع و نافق و صد عن سبيل الله في الجحيم لا ما حالة جحيم سوء أفعاله في الدنيا و ضيقها و كدرها و جحيم سوء عاقبته في الآخرة
و قد تكون جحيم الجَنَّة
و لكن كيف يكون جحيم في الجنة ؟
و لكن ما المانع إذا كانت الجنة بمعناها اللغوي " حديقة ذات نخل و أعناب ، أو بستان فسيح "
و لعله أراد جنة الله في أرضه من حلق العلم و الذكر و المساجد التي أرشدنا ايها نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حين قال : قَالَ: "إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا".
أليس جحيم هذه الجنة أن تغفل عنها و لا تدخلها و تقطف ثمارها
أليس جحيم هذه الجنة أن تكون غافلا بين الذاكرين
أليس جحيم هذه الجنة أن تنشغل فيها بعيوب غيرك و تتغافل عيوب نفسك
أليس من جحيم هذه الجنة أن تعرض عنها فيعرض الله عنك
أو بعد هذا الجحيم جحيم و قد قال المولى سبحانه في القرآن الكريم: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
و ما المانع أيضا إذا أطلقت مجازا فلا تدرك علاقته أو وجه الشبه إلى بالغوص في أعماق السطور و خلف الصفحات
و ليكون بذلك من الطباق إحدى أوجه المحسنات البديعية
أسئلة كثيرة طرحها عنوان الكتاب تزيد قارئها شغفا للاطلاع على خفاياه و خوض غمار رحلة الكلمات و السطور مضمارها ،
زادها إدراك لغة العرب و مطباتها و التوغل فيها إلى مسافة الصفر لكشف أسرارها
سائلا المولى سبحانه أن ينير لنا و له و للقارئين الطريق ، و يفتح علينا فتح السادة أهل التحقيق .